مذاق العشق للكاتبة سارة المصري
المحتويات
تتخيل أنه يحبها لتلك الدرجة ...
لم تتخيل أنه تنازل عن كل شىء فقط ليبتعد عن جرحها له..
لم يكن بالضعف الذي تتخيله بل كانت هي ضعفه الذي خلعه عنه الان مع دبلتها ليبدأ كتابة صفحة جديدة من حياته ...
وخزات الضمير المؤلمة قد تكالبت عليها .. تجاه زين الذي أفقدته حبيبته..
تجاه صوفيا التي عرضتها للامتهان..
وتجاه حسام الذي جعلها تفكر بأي منطق كانت ستفر منه دون أن تفكر مطلقا في كرامته كرجل ..
نظرة أخيرة من زين أحړقتها نظرة رجل خسر حبيبته وللأبد حبيبته التى نبض لها قلبه من بين كل نساء الأرض وخسرها بسببها ..وماذا عن أمها لو علمت بعد عودتها .. ماذا بامكانها أن تضيف الى الامها ايضا .
جاء من خلفها ليراها تحاول العبث بهاتفه تنهد وهو يحاول أن يتجاوز هذا.. لازالت على وضعها بعدم الثقة به حتى وان ادعت العكس ماضيه لازال يقف عقبه بينهما ..
مسح وجهه بيده وهو يحاول أن يقنع نفسه ان كل هذا سيتغير مع الوقت فالثقة مجرد بذرة تحتاج الى رعاية من الطرفين لتتشعب جذورها وتثبت اكثر في نفس كل منهما ..
ايلينا
انتفضت لترد في تلعثم
أنا كنت..
قاطعها وهو يهمس مجددا لا يريدها أن تكذب
كلمة السر ايلينا
قالها وهو يكتب الحروف فى بطء ليفتح الهاتف أمامها قبل وجنتها بسرعة قبل ان يعود الى مكانه في الكرسى المقابل لها ...
هوا موبايلك فاصل ولا ايه ..عايزة تكلمي مين
تنهدت لتجيبه بما تريده في صدق
عايزة أكلم صوفيا ...موبايلها مقفول بقاله يومين ومش عارفة أوصلها ..قلقانة عليها أوي يا يوسف
تناول الهاتف منها قائلا
هاتي أكلم زين أكيد عارف مكانها
أنت عارف اللي بين صوفيا وزين
ابتسم وهو يرفع حاجبيه
زين مقوم البيت كله حريقة بقاله كام شهر عشان خاطرها
مالت اليه في ترقب
وأنت يا يوسف رأيك زيهم
مال بدوره اليها
قبل ما أعرفك اه كان ممكن يكون رأيى زيهم ..بس من بعد ما عرفتك وعشت السعادة اللى مكنتش أتخيل اني أعشها شايف ان اللي بيتجوزو من غير حب بيفوتهم كتير
وأنا مش عايز أخويا يفوته حاجة
رمقت نظراته الشغوفه بها فاحمرت وجنتيها وهمهت في خجل
مش هتكلم زين
اعتدل من جديد وهو يبتسم ويحتفظ بكفها فى يده قائلا
هنكلم زين
وضع الهاتف على أذنه ولحظات وتجهم وجهه تدريجيا وهو يقول في حذر
تعبانة من امتى يا زين
ارتعدت ايلينا وسحبت كفها من يده وانتفضت لتقف الى جواره في ترقب حتى أنهى مكالمته ليقف مواجها لها يخبرها في حزن
للأسف صوفيا تعبت شوية ونقلوها المستشفى
أمسكت بذراعه تسأله في خوف واضح
امتى حصل الكلام ده وحالتها ايه
ضمھا تحت ذراعه يطمأنها
اهدى حبيبتي هيا كويسة
نظرت له فى هلع ينفي تصديقها له
أنا خاېفة عليها اوي يا يوسف
ربت على وجنتها لتهدىء
هتبقى كويسة ان شاء الله ..زين قال حاجة بسيطة
رفعت رأسها اليه بعينين دامعتين ففهم ما تعنيه دون أن تنطق...فهم خجلها فيما تريد طلبه فتنهد في عمق قائلا
حاضر يا ايلينا هنسافر على أول طيارة
أمسكت كفه تسأله في حب
يعنى انتي مش متضايق.. ولا زعلان
هز رأسه يجيبها في رقة
من جهة زعلان فأنا زعلان ان احنا هنرجع ومكملناش اسبوعين
وقبل أن تنطق مواصلا
بس انتى مادام معايا المكان مش هيفرق ..هنعوضها ان شاء الله
هنا لم تهتم مطلقا بمن حولها وارتمت بين ذراعيه وهي تقول فى تأثر
أنا بحبك اوي يا يوسف ...ربنا يخليك ليا
لم يهتم مثلها بأى شىء حوله وهو اكثر
ويخليكى ليا يا اغلى من عمري كله
أخذت صوفيا وضع الجنين وهي تنام في فراشها تحدق في اللاشىء وعقلها غارق بالتفكير بكل شىء في حياتها كلها من بدايتها ...
في زين ..
اه من زين ...
لماذا ظهر في حياتها من الأصل
لم يكن سوى نسخة مكررة من غيره لقد غامرت بنفسها من اجل ان تنقذ شقيقته ...
غامرت من أجله هو...
من أجل التقاليد التي طالما حاول تلقينها اياها وكانت أخته على وشك الخروج عنها...
لم يعطها أي فرصة للدفاع عن نفسها وهو يصفها بأشنع التهم كأنها لم تكن كتابا مفتوحا أمامه طيلة الفترة الماضية ..
أطاعته فى كل شىء وتخلت عن عنادها من اجله وفي المقابل لم يتوان عن اصدار احكامه القاسېة وتنفيذها لم
وفى تلك اللحظة تمنت لو لم تحبه بعدما كانت ترى ان حبه هو
اجمل شىء حدث لها ..
ألم يكن بمقدوره ان يكون اكثر رحمة
الم يكن ...
اخبارك ايه دلوقتى
اخرجتها الطبيبة من افكارها فتمتمت
احسن الحمد لله
عقدت الطبيبة ساعديها وقالت في رفق
لسة بتفكرى فى اللى حصل ..انا قولتلك لو حبيتى تقدمى بلاغ فى الراجل ده انا مستعدة اشهد معاكى
اغمضت صوفيا عينيها فى الم
مبقتش فارقة
قالت الطبيبة وهي تميل اليها
بس الراجل ده صعب اوى نفذ اللى عايزه ڠصب عن ابنه ومن وراه كمان
التهمت اذن صوفيا الكلمات فاعتدلت بسرعة وهى تسألها في لهفة
انتى قولتى ايه ..اللى عمل كدة ابو زين مش زين نفسه
هزت الطبيبة كتفيها قائلة
معرفش زين مين بس الشاب
اللى كان معاه كان هيصور قتيل ساعتها واضح ان ابوه اتصرف من وراه
وضعت صوفيا جبينها بين كفيها وفركته فى قوة وهى تتمتم
يعنى مش زين ..مش زين
وعادت لتهمس فى خيبة امل
طب ليه سابنى ومسألش عني من وقتها
لم تملك الطبيبة اجابة هذه المرة فأغمضت صوفيا عينيها وهي ترتمي من جديد على وسادتها لتأخذ وضعها القديم مواصلة في رجاء
من فضلك سيبينى لوحدى
تركتها الطبيبة بناءا على رغبتها لتحاول أن تعادل افكارها من جديد بعد ما علمته
هل لا زالت تسخط على زين
ام انتقل هذا السخط على والده
هل لم يعد مذنبا من وجهة نظرها
..أغمضت عينيها فى حزن فالان علمت انه من المحال ان تتقبلها هذه العائلة.. فهل عليها ان تفكر فى عرضه السابق بالابتعاد عنهم من جديد ولكن ...
اوقفت افكارها تماما وهى تغطي رأسها بالوسادة لتحاول الهرب من كل شىء ...لن يمكنها اتخاذ قرار مناسب وهي في هذه الحالة ..لحظات و شعرت بباب الغرفة يفتح فظنته احدى الممرضات لتهتف فى تأفف
قلت مش عاوزة ...
وقطعت كلماتها ليتسع ثغرها وتنهمر دموعها فى حرارة هذا بالفعل كل ما كانت تحتاجه الان .
الفصل السابع عشر
ارتمت صوفيا بسرعة بين ذراعي ايلينا وكأنها افتقدتها منذ مائة عام...
أخذت تتمتم بين دموعها
سيبتينى لييه ايلينا ..سيبتينى ليه
جلست ايلينا فى المقابل وهي فى قوة تحاول بها التغلب على ارتعادها ونحيبها بينما تمرر اصابعها في شعرها وتقبل رأسها فى حنان حاولت ان ترفع وجهها لتتحدث اليها ولكن الأخرى أبت ذلك وتشبثت بها أكثر ...
رضخت ايلينا لرغبتها وأبقتها دقائق في أحضانها تهدهدها كطفل صغير ..
أغمضت صوفيا عينيها بقوة قبل أن ترفع رأسها بصعوبة من على صدر صديقتها كأنه قد التصق به ..
احتوت ايلينا وجهها بين كفيها ...مسحت بابهاميها دموعها وهي تمنع نفسها بصعوبة من مشاركتها البكاء ..صوفيا ليست مجرد صديقة ...صوفيا أعدتها طفلتها لسنوات طويلة ...رؤيتها وهي تتمزق قهرا شىء لا تحتمله مطلقا ..
صوفيا ..حبيبة قلبي ..مالك..
ارتمت صوفيا بين ذراعيها من جديد كأنها تختفي في حنانها من قسۏة العالم وظلمه ..كأنها تخشى أن يسلبها حضڼ صديقتها وأمانه كما سلبها كل شىء
ارجوكي ايلينا وبس ...خليني اعيط لحد ما اكتفي ومن غير ما تسأليني ..ممكن
أحاطتها ايلينا بذراعيها واخذت تربت على ظهرها لتبكي صوفيا من جديد.. قهرا على حبها الضائع ..
تبكي النبذ الذى ستظل تعانيه عمرها بأكمله .. تبكي الذنب الذى تحاسب عليه دون أن ترتكبه .
مر يوسف بالحديقة قبل أن يدلف للقصر ليجد علي الصغير جالسا على احدى الطاولات وهو يتحسس بيده كتابا بطريقة برايل ...ابتسم كعادته حين يرى هذا الصغير الذي يذهله دوما ...رؤيته تبعث السعادة الى أي نفس مهما حملت من مشاق ...يكفيها نظرة الى هذا الملاك لتنفض عنها كل ما تختنق به من هموم ..خلع نظارته الشمسية وسار في اتجاهه ببطء ..وقف الى جواره للحظات يتبين ان كان سيكتشف وجوده أم لا ولم يخطأ ظنه اذ ابتسم علي وهو يقول في بساطة أهلا يا يوسف
ضحك يوسف وهو يجذب مقعدا ليجلس امامه يسأله في حيرة
لا بجد بقا قولي عرفت ازاي أنه أنا من غير ما اتكلم حتى
هز علي كتفيه وهو يشرح له
اولا بحس أن فيه حد جاي من صوت خطواته حتى لو هوا حاول يداريها فيه احساس بسيط ودني بتستقبله...الخطوات بالنسبالي زي البصمة ..كل واحد فيكو ليه خطوة معينة ...وطبعا ريحة كل حد بتأكد البصمة دي
رفع يوسف حاجبيه في ذهول ..هذا الطفل يخدعهم بالفعل ..هو رجل متنكر في زي وصوت طفل ..كيف لمن في عمر التاسعة أن يتحدث بهذا الأسلوب والمنطق بل أن يقضى جل وقته في قراءة كتب لا يستوعبها عقله هو الراشد ..
قاطع علي أفكاره التي يعرفها جيدا ومل من تفكير غيره دوما به هكذا ..هل ينتظرون من طفل كفيف أن يحيا العمر ساخطا على حرمانه من حاسة حباه الله بعشرة أمامها ...انه يرسم العالم بذهنه هو ..بخياله البريء الذي لم يلوث بعد بأحقاد البشر
قولي يا يوسف ...عامل ايه مع ايلينا
ابتسم يوسف حين سمع اسمها منه ...كل منهما بالفعل يليق أن يكون أخا للاخر
كويسين ...بس اضطرينا نرجع عشان تعب صوفيا
ومال اليه يربت على كفه قائلا
المهم دلوقتي ...طمني عليك ...عامل ايه ..مش محتاج أي حاجة
رد علي في امتنان
الحمد لله ..أنا بخير طول ما انتو بخير
واصل يوسف في حنان
علي ...انت عارف انا بعزك قد ايه ومش عشان انت أخو ايلينا ولا ابن عمو سمير الله يرحمه ..لو احتجت أي حاجة في أي وقت اطلبها مني أنا
مد علي كفه ليربت على كف يوسف وهو يبتسم في ود
اللي ممكن أطلبه منك انك تخلى بالك من ايلينا ..ايلينا بالنسبالي كل حاجة ..اختي وأمي وحبيبتي و...
قاطعه يوسف مازحا
ايه يا حاج علي ...أنا كدة هغير
وأردف في جدية
ايلينا بقت حته مني يا علي ...بقت بالنسبالي كل حاجة ...اطمن
تنهد الصغير وهو يضع كتابه على الطاولة
ربنا يسعدكو
............................................................
وقفت ايتن فى تردد امام باب منزله....
تمد يدها الى جرس الباب ...ثم تعود فى منتصف الطريق ...
تعبث فى خصلات شعرها الاسود ...
تقضم اظافرها وهى تحاول ان تتخذ تلك الخطوة التى عزمت عليها واصبحت اكثر صعوبة حين دخلت حيز التنفيذ لم تتخيل للحظة
متابعة القراءة