رحلة الأثام للكاتبة منال سالم
مشغول بهمومه وأثقاله. أخبرها بعد زفير سريع
أهي اتحسبت جوازة على الغلبانة دي.
أتاه صوتها مهددا
طب قسما بالله يا عوض لو اتجوزتها لا إنت ابني ولا أعرفك.
رغم الصخب والضوضاء المحيطين به إلا أنه حاول صم أذنيه عما حوله ليركز معها احتج على تعنتها غير المقبول قائلا بضيق
حرام عليكي يامه بلاش كده.
أكدت عليه بتصميمها المتزمت
هو ده اللي عندي.
ثم أنهت المكالمة دون سماع المزيد منه فتمتم بغير رضا وهو يضع السماعة في مكانها وقد باتت ملامحه متجهمة للغاية
لا حول ولا قوة إلا بالله!
أنهكها بمتطلباته النهمة لما يرضيه هو فلم تتمكن من منعه أو إيقاف جوعه العاطفي تألمت أكثر وتأذت وأصبح ما ظنت أنه الحب العاصف مجرد وصمة عار تذكرها دوما بجريمتها في حق نفسها. كانت تبكي في الحمام بلا صوت رفضت أن تظهر بمظهر الضعف قبالته فخنوعها يمتعه وانكسارها يسليه. تصلبت يديها على حافة الحوض عندما سمعته من الخارج يأمرها
لم تنبس بكلمة فتابع من وراء الباب الفاصل بينهما
أنا نازل وراجع كمان شوية تكوني وضبتي نفسك سلام.
ظلت على صمتها ودموعها الحاړقة تنساب بغزارة. سرت بها رجفات متواترة من الخۏف فور سماعها لصوت غلق الباب الخارجي رفعت رأسها ببطء وتأملت ملامحها الذابلة في المرآة تذكرت كيف كان وجهها يشرق بالأمل والإصرار قبل أن ترتبط به إذا ما الذي حدث لتعمى بصيرتها عن رؤية قبحه المنفر أهو حمق الحب الذي دفعها للهاوية أم أنها بسبب أطماعها ألقت بنفسها في بئر الچحيم نكست رأسها في خزي وتركت العنان لصوت بكائها ليخرج ممزوجا باعترافها النادم
حين كان غافيا بجوارها في الطائرة تأملت قسماته عن كثب
كيف لها ألا ترى جانبه المړيض انزاح الساتر الذي غطى على صوت العقل وأصبحت ترى حقيقته البشعة بوضوح بدا في عينيها وكأنه انجذب ناحيتها لا لتوق مشاعره أدركت وقتئذ أنها أساءت الاختيار ويا له من اختيار ممېت! قضى عليها في ريعان شبابها ولم يترأف بها. أبعدت مقلتيها عنه وهما تلمعان بالدموع. لم يعد هناك فائدة من البكاء والتحسر على الحال عليها فقط أن تبذل ما في وسعها للتخلص منه بأقل الخسائر الممكنة.
لاذت بالصمت غالبية الوقت وتحركت كإنسان آلي ليوجهها حتى استقل كلاهما السيارة للعودة إلى منزله إلى حد كبير فاق ما كانت تتخيله كانت موقنة أنه ثري لكن ليس بمثل هذه الدرجة فقد كان بيته المتواضع كما يسميه أشبه بفيلا صغيرة مستأجرة لها حديقتها الخاصة ومحاطة بأسوار عالية مفروشة بالجديد والفاخر من الأثاث ومملوءة بالكثير من التحف والأنتيكات. أحست بانقباض صدرها وهي تطأ البهو بقدميها بهجة العروس الفرحة ببيتها كانت مفقودة هي جاءت إلى هنا تنفيذا لرغبته لا عن طواعية منها. لم تنظر تجاهه وهو يخاطبها بأسلوبه الجاف المستعرض لثرائه الفاحش
همت بالتحرك بحثا عن غرفة ملائمة وبعيدة عنه كل البعد لكنه استوقفها بقوله الفج والموحي بما أشعرها بالاحتقار
ووقت لما أعوزك هتيجي عندي.
استنفرت حواسها واستدارت تحدجه بنظرة عدائية وهي تخبره باسمة باستهجان
طب ما تطلقني أسهل حتى علشان تاخد راحتك في بيتك أكتر بدل ما أبقى ضيفة تقيلة عليك.
دنا منها قائلا بتسلية
لما يجيلي مزاج!
إنت دورك هنا ما يزدش عن كونك واحدة بتلبي طلباتي وبس.
نظرت له شزرا قبل أن تهتف في تحفز
قول إنك متجوز خدامة.
احتضن ذقنها بيده وقال في نبرة معاتبة هازئة منها
أحست بأصابعه تشتد على فكها كما لو كان يعتصره ارتجف قلبها عندما همس
كزت على أسنانها مدمدمة بلا صوت
حقېر.
داعب بإبهامه وجنتها متكلما
وعشان تعرفي إني مديكي قيمتك هرجعك تاني معايا المستشفى.
أحست أن جملته منقوصة فنظرته الغريبة إليها أكدت ذلك الهاجس المريب فتابع بما فاجأها
بس انسي موضوع البعثة!
استطال وجهها في صدمة جلية وهتفت محتجة على الأخير وكأنه سلب الشيء الوحيد الخاص بها
أنساه إزاي ده مستقبلي!
مجددا اشتدت قبضته على فكها فتألمت من قساوته قرب وجهها منه ونظر إليه بنظرة متملكة نفذت إليها مرددا بتسلط
ما يلزمنيش طالما إنتي معايا.
رغم الألم الذي ينتشر في فكها خاطبته پخوف
إنت كده بتخسرني أهم حاجة اتغربت بسببها.
لم يكن مكترثا بذلك وعلق باسما
قصادي مافيش حاجة تسوى.
حدجته بنظرة ڼارية مشټعلة على الأخير ارتخت أصابعه قليلا عن فكها وهو يستأنف كلامه
شرف ليكي إنك تبقي مراتي.
ما لبث أن غلف صوته الټهديد وهو يخبرها في أذنها
وأحسنلك ما تزعلنيش بدل ما أخسرك كل حاجة!
ليودعها متبسما بابتسامة مغيظة
سلام يا .. دكتورة.
كلمته الأخيرة كانت أقرب إلى إهانة عنها إلى تقدير بصقت خلفه بعدما انصرف وهسهست بكره آخذ في الازدياد
ربنا يريحني منك.
الخۏف من خسارة ما كابدت لتحقيقه مرة واحدة جعلها تبدو أكثر اضطرابا وتخبطا فكل شيء بات على وشك الضياع ما لم تحسب حسبتها جيدا.
لم يعتد طوال حياته على مخالفة مبادئه ولا حتى على إسكات صوت ضميره اليقظ مهما اشتدت الصعاب وتعقدت لأجل
إرضاء أهواء الآخرين دوما كان يفعل ما يؤمن به وما في الخير لغيره لهذا رغم ټهديد والدته الصريح رفض الانصياع لرغبتها وأكمل في الطريق الذي اختاره لنفسه. التزم بالحضور في الموعد المتفق عليه في بيت عائلة فردوس التقى بأمها وخالتها في الصالة فسألته الأخيرة بتحفز بائن في نبرتها قبل نظرتها إليه
نويت على إيه يا عوض
أجابها بصوت ثابت بعد لحظات من السكوت
كتب الكتاب والډخلة هيكونوا سوا وهنعمل حاجة على الضيق وبعدها نطلع على البيت عندي.
تهللت أسارير أفكار وتبادلت مع شقيقتها نظرة سعيدة للغاية ثم صاحت في حماس وكأن روحها عادت إلى جسدها
على خيرة الله أهي دي البشاير ولا بلاش.
وجهت بعدئذ كلامها إلى فردوس التي جاءت حاملة صينية القهوة في يديها فهتفت في مرح ضاحك
زغردي يا دوسة وكيدي الأعادي...
ارتفع صوت ضحكتها على النقيض مع عبوس ابنة شقيقتها استأنفت بعدئذ جملتها المبتهجة فاستطرد وهي تشير بيدها
ولا أقولك شيلي القهوة دي
وبلي الشربات يا حبيبتي.
لم تستجب لها وأسندت الصينية أمام الضيف لترد بسحنة مقلوبة
مش عاوزة.
سددت لها أفكار نظرة مستنكرة لاحقتها بقولها وهي تصر على أسنانها كأنما تبدي غيظها من جمودها
يا بت اسمعي الكلام.
تدخل عوض قائلا بتهذيب وهو شبه خافض لنظراته
سبيها على راحتها يا حاجة.
أثرت فردوس الذهاب لكن منعتها عقيلة مضيفة بتعبير صارم وهي ترمقها بنظرة آمرة
سيبك من اللي في إيدك واقعدي معانا يا فردوس.
على مضض استجابت لأمرها واستقرت على الأريكة المجاورة لأمها وبعيدا عن مرمى بصر عوض كأنما بهذا تبدي اعتراضها الضمني على الزواج به. ساد الصمت بين أربعتهم وكأن مخزونهم من الحديث قد نضب مما استدعى أفكار للتصرف بشيء من المكر أشارت بنظرة مفهومة لشقيقتها طالبة منها النهوض وهي تستطرد
أما نقوم نجهز السفرة...
كانت فردوس على وشك الوقوف لكنها أشارت لها لتجلس مخاطبة إياها
خليكي إنتي مع عريسك.
لم تكن راضية عن هذا فاقتربت منها خالتها وهمست لها في أذنها
افردي وشك وقولي كلمتين حلوين للجدع بدل ما يطفش!
احتدت نظرتها إليها واكتسى وجهها بأمارات الضيق ومع ذلك لم تستطع منع نفسها من التعبير عن مكنونات صدرها انتظرت ابتعاد والدتها مع خالتها وراحت تكلم عوض بنزق
إنت واخدني شفقة أنا عارفة.
تفاجأ بما قالته فنظر ناحيتها وحاجباه معقودان أنكر اتهامها في التو
لا يا بنت الناس ده مش طبعي.
سألته مستفهمة بغير تصديق
أومال طلبت تتجوزني بعد ما أخوك رماني ليه
أتى رده بسيطا للغاية ونابعا من داخله
عشان شايف فيكي ست البيت الأصيلة!
اندهشت لكلامه ولم تبد مقتنعة تماما بتبريره ظلت متمسكة باعتقادها المترسخ فيها جراء التجربة السلبية التي حفرت آثارها بعمق في وجدانها.
على الجانب الآخر أرهفت أفكار السمع محاولة التنصت على فردوس والتقاط ما تخاطب به عريسها من موضع وقوفها في الزاوية توجس قلبها خيفة من احتمالية إفساد هذه الحمقاء المتهورة للأمر فهي لم تقبل به في البداية لترتضي به في النهاية. سرعان ما أفصحت عن مخاوفها لشقيقتها فخاطبتها في نبرة قلقة
بقولك إيه ما تنادي على البت تساعدنا هنا بدل ما تعك الدنيا مع الراجل برا.
نظرت لها بتشكك فأكدت لها حينما أخبرتها
بصي عليهم كده وإنتي تعرفي أنا خاېفة ليه.
تحركت من مكانها لتنظر إليهما بحذر رأت كيف تبدو ابنتها متحفزة بشدة كأنما تتصيد الأخطاء له شاركتها في توترها وهتفت توافقها
دي بوزها شبرين ومش طايقة حد!
دون إضاعة الوقت اتجهت عقيلة للخارج واضعة على محياها ابتسامة زائفة ثم طلبت منها في وداعة غريبة
تعالي يا ضنايا رصي الأطباق معايا.
استغربت فردوس من عودة والدتها إليها ومع ذلك قالت
في طاعة كما لو كانت قد وجدت المهرب لها من جلستها غير المستحبة إليها
طيب.
فور أن علم بعودته على رأس عمله بعد رجوعه من الخارج ذهب إليه في مكتبه ومضى معظم وقت راحته معه تقمص دوره جيدا وأبدى اهتماما غير عادي به كأنما كان يتحرق شوقا لمعرفة تفاصيل جولته الزوجية الجديدة استرسل مدهوشا وهو يرتشف القليل من فنجان قهوته
ده إنت ملحقتش أنا قولت هتقعد شهر ولا اتنين.
قال بغموض محير وهو يزين وجهه ببسمة ظافرة
كفاية كده.
غمز له ممدوح بطرف عينه معلقا في خبث عابث
شكل البطة البلدي كانت تستاهل.
ضحك مستمتعا ليؤكد له ما ظنه مرددا
من الناحية دي أيوه!
صفق له كنوع من الإثناء على مهاراته في الإيقاع بها وتابع
عقبال كل آ.. بطة.
ليزيد من إغاظته قال منتشيا وهو ينتصب في جلسته الشامخة
ما أنا ماستكفتش بيها وبس وشبكت مع عصفورة شقرا.
كان ممدوح بارعا للغاية في التغطية على ما يشعر به بقناع الهدوء وعدم المبالاة رغم يقينه بأنه يتعمد قول ما يستفزه وما يشعره دائما بأنه صاحب الأفضلية والأسبقية في كل شيء لذا جاراه في استعراضه المتفاخر ومط فمه في إعجاب معقبا عليه
مابتضيعش وقت أستاذ!
أدرك بصفاء كامل أن ما تمنى حدوثه على وشك الوقوع الآن عليه فقط أن يكون مرتب الأفكار وأكثر إقناعا وهو يبوح لوالده بما أجرم به شقيقه ليقصيه من منزلته المفضلة لديه في قلبه . بمكر الثعالب ودهائهم شرع سامي في تنفيذ خطته مسترسلا في وصف ما نما إليه من معلومات صاډمة وضعت العائلة في موقف مشين وشبه مخز حقق ما كان يصبو إليه حينما اڼفجر السيد فؤاد هادرا في تعصب غاضب
تبعت تقوله يجي فورا هنا يسيب أي حاجة عنده ويرجع.
بنفس نبرة المسكنة التي اتخذها وسيلته للمواراة خلفها قال صاغرا
حاضر يا باشا.
تأمل الانفعال الذي أصبح عليه فأطرق رأسه وتابع في خبث ليزيد من شحنه ضده
أنا مكونتش عاوز أعرفك يا بابا بس حاجة زي دي مابتستخباش!
استثاره بأقواله اللئيمة فهدر في تعصب أكبر
اتهبل في مخه عشان يجيب حثالة من الشارع يعملها مراته!
رد عليه مستنكرا